يسأل كثير من الشباب: 'كيف أضبط شهوتي؟ سؤال دائمٌ التكرار نود في هذا الموضوع أن نضع عدة نقاط أمام كل شاب , ليسأل نفسه: أين الخلل؟ وبأي السهام رُمي؟ فقد يكون الحل في توقي السهام أصلاً بالبعد عنها, وقد يكون في حسن إخراجها بعد اصابتها للنفس, وقد يكونبالوقاية منها .... وغير ذلك.
أولاً: أسباب الوقوع في الشهوة:
* خوف فوات بعض المصالح: المرابي يخشى قلة الربح, والزاني يخشى ضياع الفرصة, والمتبرج يخشى المصلحة التي يزينها الشيطان.
* التسويف بالتوبة: يحسب أن العمر كما يريد, فيغريه الشيطان, فإذا دعاه داعي الخير للتوبة قال: أريد التمتع بالحياة.
* نسيان لحظة الموت: ينسى الموعد المحدد وينسى {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34], {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99].
* غلبة العادة: تعود على المعصية, فالتصقت به والتصق بها, فأصبحت مثل دمه, بل هي دمه الذي يجري في عروقه.
* دنو الهمة: الدافع لعلو الهمة ضعيف, والدافع للشر واقتراف المعصية قوي, فهمته سافلة في معالي الأمور, وأصبح مثله كالكلب {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} [الأعراف: 176].
* ضعف الخوف من الله: فلو زاد وقوي الخوف عنده من الله تعالى لما أصر على معاصيه, ولما شعر بالأمان وهو في هزل ولهو, كمثل صاحب الجنة الذي قال لصاحبه: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} [الكهف: 36].
وأسباب كثيرة أخرى.
إذًا الحل الأول لضبط الشهوة: معرفة أسباب الوقوع فيها.
الحل الثاني: معرفة أخطار الشهوة في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم:
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة, المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله ، فمنها:
_ حرمان العلم, فإن العلم نور يقذفه الله في القلب, والمعصية تطفئ ذلك النور.
قال الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نـور ... ونور الله لا يؤتى لعاصــي
_ حرمان الرزق.
ففي المسند قال عليه الصلاة والسلام: 'إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه'.
ومنها عدم التوفيق للطاعة, حتى يطبع على قلبه, قال ابن عباس رضي الله عنهما: 'إن للحسنة ضياء في الوجه, ونورًا في القلب, وسعة في الرزق, وقوة في البدن, ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سوادًا في الوجه, وظلمة في القلب, ووهنًا في البدن, ونقصًا في الرزق، وبغض في قلوب الخلق'.
فالذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها, فكان من الغافلين, كما قال بعض السلف في قوله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. قال: هو الذنب على الذنب.
وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب.
وفي صفة الصفوة لابن الجوزي عن عبيد الله بن السري قول التابعي القدوة محمد بن سيرين قال: 'إني لأعرف الذنب الذي حمل به علي الدين, ما هو؟ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس' وما يستطيع أحد أن يتذكر ذنبًا مضت عليه كل هذه السنين إلا رجل قد قلت ذنوبه فاستطاع أن يحصيها. لذلك عندما أخبر عبيد السري أبا سليمان الدارني بذلك قال: 'قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى' هكذا كانوا يحسون بالذنب, بربطه بالبلاء الذي يصيبهم ـ أدب البلاء, البلالي ـ.
توفي ابن الجوزي عام 597هـ وعمره نحو التسعين, ودفن بباب حرب بالقرب من مدفن الإمام أحمد بن حنبل, وأوصى بأن يكتب على قبره هذه الأبيات:
يا كثير العفو عمن ... كثر الذنب لديه
جاءك المذنب يرجو ... الصفح عن جُرم يديه
أنا ضيف, وجزاء ... الضيف إحسان إليه
عودة إلى الله, عودة إلى كتاب الله أيها الشباب.
تالله لو أخذ الأنام بحكمه ... لسمو وحازا في المدا الأفلاكا
ولا ما رأيت من الملاحم مرها ... ومن المفاسد ما تراه دراكا
ولما تبرجت النساء لفتنة ... تستام في أعراضها الهتاكا
ولما رأيت مذكرًا كمؤنث ... ومؤنثًا لمذكر قد حاكا
ولما فشت في القائمين وساطة ... ورشا أراشت سهمها الفتاكا
هم أخروا ربَّ الحقوق وقدموا ... بهما عليه المجرم الأفاكا
وإذا الأمور لغير كفوٌ وسدت ... لم تلقى من إشكالها فكاكا
وهنالك تضرب البلاد وتحدث الفوضى ... ويعقب كل ذاك هلاكا
الحل الثالث: مجاهدة النفس من خلال معرفة ألاعيب الشيطان وخدع النفس.
هذه القلوب لا تفتر عن حركة ولا تتوقف عن عمل لذلك كان النبي يلجأ إلى الله أن يثبت قلبه وفي ذلك تعليم لنا أن نلجأ إلى الله ليثبت الإيمان.
ثبت في مسند الإمام الترمذي بإسناد حسن عن شهر بن حوشب أنه سأل أمنا أم سلمة رضي الله عنها فقال: ما كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك في بيتك؟ فقالت أمنا أم سلمة: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: 'يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك'. إن القلب ما سمي قلبًا إلا أنه يتقلب, فاحذر على القلب من قلبه وتحويله.
وثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء'. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: 'اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك'.
هذه القلوب إما أن تجول في الخير أو ترتع في الشر.
وهذه القلوب لا تفتر عن حركة وخاطر وإرادة وهم, فعلى العاقل أن يفكر في قلبه هل هو له أو عليه, لابد من مراقبة ما في القلب, فالإنسان بعمله القلبي, إما أن يكون في درجة العليين, أو أن يكون أسفل السافلين.
إن عامة ما يدور في قلوب بني الإنسان, خمس :
1] الهاجس: الشعور بأمر من الأمور في جانب الخير أو الشر من غير اختيار الإنسان ثم يزول ذلك الشعور من غير اختيار الإنسان. هذا تكرم الله علينا إذا كان في جانب السيئات أن لا يسجل علينا وكذلك الحسنات, مع فائدة هاجس الحسنات.
2] الخطر: استمرار ذلك الشعور في جانب الخير أو الشعور من غير اختيار ثم زال من غير اختيارك, فلا تثاب أو تعاقب, السبب: أنه ليس لك كسب ومن غير اختيارك {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
3] حديث النفس: تحديث النفس بذلك الخاطر الذي استمر فترة في نفسه, مثلاً: حدث النفس ببناء مسجد لكن لم يرجح لكن ما مال إلى فعله 'وبذل سعيًا اختيارًا ثم زال الخطر لانشغاله بغيره'. فمن فضل الله يكتب عليك الحسنات ولا يكتب عليك السيئات.
4] الهم: ترجيح الفعل على الترك, همّ بفعله ونسبة الهم تزيد على 50%, 60%, 70% هم لم يصل إلى التصميم يكتب له أجر الهم, وقد أشار النبي إلى كتابة أجر حديث الهم والنفس بالحسنات وعدم كتابة حديث النفس والهم بالسيئات في أحاديث كثيرة.
ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'إن الله كتب الحسنات والسيئات. فمن هم بحسنة فلم يفعلها كتبها الله عنده حسنة كاملة, فإن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه حتى يعملها فإن عملها كتبها الله بمثلها'.
وفي رواية مسلم في الحديث القدسي: 'إذا حدث عبدي نفسه بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة'.
5] مرحلة العزم: التصميم بحيث لو تمكن منه لعمله, فلو لم يمنعه أمر لعمله 'فيكتب له في جانب الخير والشر, مع أنه لم يباشره بجوارحه'.
ودلت آية في القرآن على أن العزم يأخذ عليه الإنسان, يكتب له في الخير أو الشر. سورة النور {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19]. المحبة عمل قلبي صار فرحًا لهتك حرمة المسلمين.
ثبت في مسند أبو داود والنسائي وابن حبان من رواية عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'من ستر على مؤمن فكأنما أحيا مؤودة', وفي رواية: 'من ستر عورة فكأنما استحيا مؤودة'.
وهكذا يجب على الشباب أن يدافع شهوته بمعرفة خدع النفس واسترسالها مع الخواطر أو حديث النفس, ولعل هذه أكبر مصيبة وورطة يقع فيها الشباب///////